بحث التجارة الدولية

التجارة الدولية


المقدمة:
تعتبر التجارة إحدى الأنشطة الاقتصادية المهمة في حياة الإنسان، وهي معروفة منذ القدم لدى البشرية، ويمكننا تعريف التجارة على أنها عبارة عن تبادل طوعي يتم من أجل تبادل البضائع أو الخدمات أو كلا الأمرين معاً، ومن الممكن أن يتم هذا التبادل بين طرفين وهنا تسمى تجارة ثنائية، أو قد يتم بين أكثر من طرفين وتسمى تجارة متعددة، ومع التطورات التي شهدتها الحضارة الإنسانية تطورت معها التجارة شيئاً فشيئاً، بحيث تم إختراع المال لتسهيلها، وتوسع نطاق التجارة بحيث أصبحت تتم بين دولتين أو أكثر، ليظهر مفهوم التجارة الدولية، والتي لعبت دوراً هاماً في اقتصاد الدول، فما هي التجارة الدولية؟ وما هي نظرياتها ؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال بحثنا هذا.
المبحث الأول: ماهية التجارة الدولية
المطلب الأول: التجارة الدولية
التجارة الدولية أو كما تسمى أحياناً التجارة العالمية، أو التجارة الخارجية، هي عبارة عن التبادل الحاصل بين المناطق والبلدان التي تفصل بينها حدود سياسية، وموانع للتداول، وأنظمة وقوانين، ويتم هذا التبادل يتم بين الدول التي تتوفر فيها سلع أو خدمات معينة ودول أخرى تفتقر لهذه السلع والخدمات، بحيث تكون بين دولة مصدرة وأخرى مستوردة، على عكس التجارة المحلية التي تتم داخل الدولة نفسها، والتجارة الدولية ليست حديثة العهد بل إنّها معروفة للبشرية منذ القدم، ومن أبرز طرق التجارة القديمة هو طريق الحرير، وقد أشتهر العرب قديماً بقدراتهم العالية على إجراء التجارة، وتوسيع نطاقها، حتى أنهم وصلوا إلى مرحلة سيطروا على الطرق والمؤسسات والمراكز التجارية المزدهرةاقتصادياً.

المطلب الثاني: أهمية التجارة  الدولية
ظهرت التجارة الدولية نتيجة اتّساع الرقعة الجغرافية التي تضم سوق التبادل الاقتصادي، بحيث أصبحت تتم بين أقاليم مختلفة ومتنوعة الأمر الذي جعل لها طابعاً خاصاً بها يميزها عن التجارة المحلية، وتعتبر التجارة الدولية من أهم المقومات لنجاح وازدهار الاقتصاد لأي دولة، لما لها من أهمية، وتكمن أهمية التجارة الدولية في أنها:
تعتبر أكثر الوسائل المناسبة لاستغلال الموارد الموجودة في العالم بالشكل الأمثل.
تحفز الدول والأقطار المختلفة على زيادة إنتاجيّتها من السلع، وبالتالي إشباع احتياجات السوق المحلي والعالمي.
تجعل كل دولة متخصصة بإنتاج سلعة معينة، وتصديرها إلى الدول الأخرى الأمر الذي يقوي من اقتصاد الدولة.
التبادل التجاري القوي بين أي دولتين يقوي من العلاقات السياسية بينهما ويوطدها.
تعزز من العلاقات الدبلوماسية بين الدول، بحيث تقوم الدول بإبرام العديد من الاتفاقيات والصفقات من خلال استيرادها وتصديرها لسلع معينة.
تعتبر بمثابة شريان الحياة مع الدول الأخرى، فمن خلالها يتم التبادل الثقافي والحضاري بين الدول



المطلب الثالث: مركز التجارة الدولية
تم إنشاء المركز في عام 1964 اثر قرار للدول المشاركة في مفاوضات الجات، وفي عام 1968 قرر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مشاركة الجات في رعايته. و يعتبر المركز أداة التعاون التقني بين كل من منظمة التجارة العالمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لمظاهر تشغيل وتوجيه الاستثمارات بهدف تطوير التجارة العالمية، وفى عام 1973 تم اعتبار المركز الجهاز المسئول داخل منظومة الأمم المتحدة عن التعاون التقني لتطوير التجارة. ومن خلال هذه المسؤولية يعمل المركز مع كل من الدول النامية والدول التي تمر اقتصادياتها بمرحلة الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الرأسمالي من اجل وضع برامج فعالة لتنشيط التجارة وذلك بالتوازي مع نشأة منظمة التجارة العالمية التي حلت محل الجات المقــر : جنيــف - سويسـرا

  



. المبحث الثاني:عوامل تطور التجارة الدولية.
لقد عرفت المبادلات التجارية الدولية تطورات ملحوظة بمعدلات متفاوتة وخلال فترات زمنية متقطعة، تتخللها مراحل ركود ناتجة عن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي عرفتها دول العالم والتي أدت بدورها إلى التغيير في بنية الجهاز الإنتاجي لكل بلد.
لكن في الواقع، يمكن اعتبار أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تعد فترة الانطلاقة الفعلية لتطور التجارة الخارجية من خلال تسجيلها لمعدلات نمو غير مسبوقة.
وعلى هذا الأساس سنحاول من خلال هذا العنصر التطرق إلى تطور التجارة الدولية وخصائصها خلال فترة ما بعد منتصف القرن العشرون، حيث عرفت المبادلات التجارية الدولية تطورات هائلة وأصبحت الدول متصلة ومترابطة فيما بينها والعالم يتحول تدريجيا إلى سوق عالمية موحدة.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في هذه الحالة هو،كيف يمكن تفسير هذه القفزة الهائلة المحققة في المبادلات الدولية؟


المطلب الأول:تطور حجم المبادلات التجارية.
خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أخذت التجارة العالمية تتطور بمعدلات نمو الإنتاج العالمي ، حيث وصل متوسط معدل نمو التجارة الدولية إلى 5.5 بالمائة سنويا خلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 1995 كما أن المبادلات التجارية الحالية قد تضاعفت بحوالي 40 مرة مقارنة بما تبادله دوليا سنة 1995.   وهناك العديد من العوامل التي ساعدت على تحقيق هذا التطور الكبير في حجم المبادلات الدولية أهمها:
1- إنشاء مناطق التبادل الحر:
بفضل ظهور بعض المنظمات والاتفاقيات الدولية مثل الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة التي أنشأت سنة 1947 وتم تعويضها سنة 1995 بالمنظمة العالمية للتجارة،التي أوكلت لها مهمة التفاوض من اجل عقد اتفاقيات دولية لتسهيل عملية تبادل وتنقل السلع.
وبالإضافة إلى ظهور بعض المنظمات والتكتلات المحلية، مثل الاتحاد الأوروبي الذي تم إنشاؤه سنة 1957 أو اتفاقية التبادل لدول أمريكا الشمالية لسنة 1992 ، حيث أن هذه التجمعات والتكتلات الاقتصادية ساعدت في دعم التبادل الحر للمنتجات.
2-تطور وسائل المواصلات:
حيث يتوفر العالم اليوم على وسائل مواصلات متنوع وجد متطورة وسريعة وذات قدرات شحن كبيرة.
فإذا أخذنا على سبيل المثال النقل البحري والذي يعتبر وسيلة النقل الأكثر استخداما في التبادلات الدولية بضمانه لنقل ثلاث أرباع المنتجات المتبادلة دوليا،فقد سجلت هذه الوسيلة تطورات كبيرة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية،من خلال الزيادة في حجم السفن البحرية وظهور ما يسمى بالبوارج، والتي تملك القدرة على نقل كميات ضخمة من المنتجات ، وبالإضافة إلى ظهور أصناف عديدة من السفن والبوارج المتخصصة في شحن ونقل بضائع محددة ، مثل البوارج الخاصة بنقل الحاويات وكذلك تلك المتخصصة في نقل المواد الطاقوية كالبترول والغاز.....كل هذه التطورات في وسائل المواصلات في وسائل المواصلات ساهمت بطريقة مباشرة في زيادة حجم المبادلات التجارية الدولية.

3- ظهور الشركات المتعددة الجنسيات:
هذه الأنواع من الشركات تمتاز عادة بضخامة إحجامها ، وتقوم بتطوير وتوسيع نشاطاتها في العديد من الدول ، من خلال بحثها المستمر عن تحقيق الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة ، وفي سبيل ذلك تقوم بتحويل جزء من أنشطتها الإنتاجية إلى الدول التي تتوفر على اليد العاملة بتكلفة منخفضة .
وبالتالي فطريقة الإنتاج في هذا النوع من الشركات يقوم على أساس تقسيمه على عدة مراحل ، ويمكن تحقيق كل مرحلة في دولة مختلفة ، ومن خلال تبادل هذه الشركات بمنتجاتها النهائية والوسيطية بين مختلف فروعها المنتشرة عبر مختلف أقطار العالم فإنها تساهم بذلك في زيادة حجم المبادلات التجارية الدولية ، بحيث تستحوذ اليوم هذه الشركات على حوالي ثلثي التبادل التجاري الدولي جزء منها على شكل صادرات والجزء الأخر على شكل مبادلات بين الشركة الأم ومؤسساتها الفرعية.


المطلب الثاني: نمو تجارة المنتجات المصنعة.
خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لوحظ تطور في طبيعة المنتجات المتبادلة دوليا ، حيث اتجهت التجارة الدولية للتركيز أكثر على تبادل المواد المصنعة ، مما أدى إلى زيادة حجم المبادلات الدولية للسلع المصنعة ، وهذا نتيجة للزيادة المطردة في الاستهلاك وبالتالي الطلب العالمي عليها ، حيث يمثل اليوم هذا النوع من المنتجات ثلاث أرباع الصادرات العالمية والتي تشتمل خصوصا على الآلات ، وسائل النقل ، المعدات المكتبية وبالإضافة إلى أجهزة الإعلام والاتصال. وعادة ما يتم تبادل هذا النوع من المنتجات بين الدول الغنية.
أما فيما يتعلق بالمواد الأولية والمتمثلة في المنتجات الفلاحية (القطن، القمح، البن، الكاكاو،...) والمنتجات المنجمية والطاقوية ( الفحم الحجري،البترول،...) فلا تمثل اليوم سوى حوالي ربع الصادرات العالمية ، هذا التوجه الجديد في التجارة العالمية أدى إلى تركز المبادلات الدولية في الأساس بين الدول الشمال الأكثر تطورا وتقدما على حساب دول الجنوب الأكثر فقرا
المطلب الثالث :التطور النوعي للمبادلات الدولية.
ونقصد به التطور الملحوظ في نوعية المنتجات المتبادلة دوليا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فبعد أن كانت المبادلات الدولية تقتصر على السلع والمنتجات المصنعة والمواد الأولية لفترات طويلة ، عرفت مرحلة التسعينات من القرن ال20 ظهور تبادلات دولية من نوع أخر والمتمثلة في :
· المبادلات العالمية للخدمات (السلع الغير مادية) كالتأمينات والاستشارات، هذه الموجة الجديدة من المبادلات الدولية تتزعمها في الأساس الدول المتقدمة وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
· مبادلات رؤوس الأموال عرفت كذلك تطورات ملحوظة خلال هذه الفترة ، حيث يأخذ هذا النوع من المبادلات عدة إشكال من أمثلة ذلك إنشاء المؤسسات الفرعية للمؤسسات الأم في دول خارج المجال الجغرافي للدولة الأصلية ، أو من خلال قيام بتوظيف للأموال في البنوك والبورصات العالمية يؤدي إلى إنشاء حركة دولية (مبادلات دولية) لرؤوس الأموال
· المعلومات تعتبر كذلك من الأشياء التي يتم تبادلها دوليا في الفترة الحالية فنتيجة للتطورات التكنولوجية الحديثة في وسائل الإعلام والاتصال ، أخذت المبادلات الدولية للمعلومات تزداد توسعا وحجما شيئا فشيئا وتحتل بذلك مكانة معتبر في المبادلات الدولية.
المطلب الرابع: تركز التجارة الدولية حول ثلاثة أقطاب كبرى
خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أخذت التجارة العالمية في التطور خصوصا بين ثلاثة أقطاب كبرى، والتي تظم الدول ذات الاقتصاديات الأقوى دوليا ، والمتمثلة في دول أمريكا الشمالية، دول ارويا الغربية ، ودول شرق أسيا والتي ترجع سيطرتها على التجارة العالمية في الأساس إلى التنويع في منتجاتها وتحكمها في التكنولوجيا المتطورة بالإضافة امتلاكها لطرق مواصلات متطورة .
حيث تستحوذ هذه الأقطاب الثلاثة على أكثر من 87 بالمائة من المبادلات الدولية ،من خلال تصديرها للمنتجات المصنعة والخدمات بالإضافة إلى رؤوس الأموال والمعلومات ، كما تحول كل دولة من هذه الأقطاب الثلاثة ، تحاول دعم مركزها في التجارة الدولية من خلال البحث عن إنشاء مناطق للتبادل الحر مع الدول المحيطة بها


المبحث الثالث: النظريات الكلاسيكية المفسرة للتجارة الدولية
المطلب الأول:  نظرية (مبدأ) الفائدة المطلقة:  Absolute Advantage
صاحب هذه النظرية هو ادم سميث وهو أول الاقتصاديين الذي بحث التفسير المنطقي وراء التجارة الدولية، وقد استخدم في كتابه ”ثروة الأمم“ مبدأ (نظرية) الفائدة المطلقة كتفسير للتجارة الدولية.
وفقا لهذا المبدأ فإن على الدولة أن تنتج وتصدر السلع التي تكون تكلفتها اقل من الدول الأخرى، ،  وبالمقابل فان عليها أن تستورد السلع  التي تكلفتها أعلى لو أنتجتها بنفسها، بمعنى أن تتخصص كل دولة في إنتاج السلع التي تحقق لها فائدة مطلقة.
مثال على نظرية الفائدة المطلقة:
نفقات الانتاج بوحدات من العمل

السلعة (أ)
السلعة (ب)
الدولة الاولى
10
20
الدولة الثانية
20
10
حسب مبدأ ادم سميث فانه إذا قارنا بين دولتين، وكانت الدولة الأولى تنتج وحدة من السلعة (أ) بنفقات عمل قدرها 10 ساعات، ووحدة من السلعة (ب) بنفقات عمل قدرها 20 ساعة ، وكانت الدولة الثانية تنتج وحدة من السلعة (أ)  بنفقات عمل قدرها 20 ساعة، ووحدة من السلعة (ب) بنفقات عمل قدرها 10ساعات، فمن الواضح أن الدولتين تستفيدان من قيام التجارة بينهما.



المطلب الثاني:  نظرية النفقات النسبية Comparative Advantage
لم يعترض ديفيد ريكاردو على العرض الذي قدمه ادم سميث في تفسيره لقيام التجارة الدولية، فمن الواضح أن تفوق دولة ما على دولة أخرى تفوقا مطلقا في إنتاج سلعة ما، وتفوق الدولة الأخرى  تفوقا مطلقا في إنتاج سلعة أخرى يجعل قيام التجارة الدولية بينهما امرا مربحا لكل من الدولتين. ولكن ماذا يحدث لو كانت دولة من هاتين الدولتين تنتج كل السلع بنفقات عمل اقل من الدولة الأخرى، فهل يمكن أن تقوم التجارة بينهما وان تستفيد كل دولة من هذه التجارة.

أفاد ديفيد ريكاردو انه من الممكن أن يتم التبادل التجاري بين هاتين الدولتين وان تربح كل منهما.
مثال نظرية النفقات النسبية:
بالنظر الى نسب التبادل المحلي فالأردن يستطيع إنتاج 4 وحدات من السلعة (أ) مقابل إنتاجه وحدة واحدة من السلعة (ب)، أما مصر فإنها تستطيع إنتاج 3 وحدات من السلعة (أ) مقابل إنتاج وحدة واحدة من السلعة (ب). فإذا حصل التبادل التجاري بينهما:
فان من مصلحة الأردن أن يستورد 3/1 من السلعة (ب) مقابل تصدير وحدة
من السلعة (أ).    مصر تستورد 4 وحدات من (أ) مقابل السلعة (ب)
نفقات الانتاج بوحدات من العمل

السلعة (أ)
السلعة (ب)
الأردن
5
20
مصر
10
30



المطلب الثالث : نظرية نسب عوامل الانتاج :
فسرت هذه النظرية اختلاف النفقات النسبية بين اطراف الدول المتبادلة على اساس اختلاف الكميات المتوافرة من كل عنصر من عناصر الانتاج في هذه الدول، وترتبط جذورها بكتابات هكشر وأولين، حيث حاولت ان تفسر الاسباب بأختلاف الانتاجية بعاملين اساسيين هما:

1- اختلاف درجة ندرة أو وفرة عوامل الانتاج من جهة لأخرى وداخل الدولة الواحدة :
- هذا الاختلاف يؤدي الى اختلاف نسب اسعار عوامل الانتاج بين الدول. ففي الدول التي تتمتع بوفرة في الارض مثلا مقارنة بعوامل الانتاج الاخرى تكون اسعار الارض منخفضة نسبيا عن اسعار عوامل الانتاج الاخرى داخل البلد نفسه ويكون عائد الارض (الريع) منخفضا نسبيا عن عوائد عوامل الانتاج الاخرى، مثل الاجور والفائدة على رأس المال، كما في الارجنتين واستراليا. وبالمثل نتوقع ان نجد اجور العمال مثلا منخفضة نسبيا بالنسبة لفوائد الارض (الريع) ورأس المال (الفائدة)، حيث يوجد العمال بوفرة كما في الهند واليابان مثلا.

2- بدالة الانتاج :

- العامل الثاني الذي يؤثر في نفقات السلعة ليس مجرد اختلاف نسبة توافر عوامل الانتاج بل هو عامل فني يتوقف على احتياج بعض السلع في انتاجها الى الرابع ب مختلفة من عوامل الانتاج، وهو ما يطلق عليه بدالة الانتاج.
فبعض السلع تحتاج فنيا لانتاجها الى توفر بعض عوامل الانتاج بدرجة اكبر من العوامل الاخرى، فبعض السلع مثلا يحتاج الى عنصر الارض اكثر من رأس المال والعمل كزراعة القمح مثلا، بينما سلعة كالمنسوجات تحتاج لرأس المال بنسبة اكبر من الارض والعمل .
ولهذا الاسباب يتضح لنا لماذا تختلف اسعار السلع بالنسبة لبعضها البعض، فالسلع التي عادة ما تحتاج الى توفر عنصر الارض ستنتج بتكاليف اقل منخفضة في الدول التي يتوافر فيها العنصر المناسب من الارض، وفي هذه الحالة يمكن تصديرها، بينما السلع التي تحتاج لعنصر كرأس المال غير متوافر سيصبح انتاجها باهظا نسبيا وتستورد من الخارج.

المطلب الرابع : تناقض ليونتيف -Leontief- و تفسيره :
اقتصادي أمريكي من أصل روسي حائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة1973
وقد ارتبط اسمه بهذا المبحث. يعنى هذا المبحث بدراسة العلاقة بين المدخلات والمخرجات في قطاع معين من الاقتصاد وكذا مدخلات ومخرجات كل قطاع بمدخلات ومخرجات القطاعات الأخرى.
انطلاقا من الاقتصاد الأمريكي بلور ليونتييف نموذجه القائل بأن القطاعات الاقتصادية مرتبطة بعضها ببعض, وأن أي تغير، ولو طفيفا، في قطاع ما أو في أحد فروعه، لا بد وأن يكون له أثره على باقي قطاعات الاقتصاد.
من الصعب الحكم، دون دراسات معمقة، على مدى صلاحية النموذج الآن، لاقتصاد القرن الواحد والعشرين. يمكن، من جهة أن يكون الارتباط بين القطاعات قد زاد عما كان عليه، ومن جهة أخرى يمكن أن تكون المسلمة التي بنى عليها ليونتييف هذه الخاصية قد تقلصت بالنسبة للاقتصاد الحديث.
لتبسيط النموذج، بداية، سوف نأخذ اقتصادا منغلقا وبسيطا. اقتصاد مكون من قطاعين دون صادرات ولا واردات. كما سنهمل مفعول الضرائب والدعم والادخار والاستثمار... لنأخذ اقتصادا مكونا من قطاعين هما الصناعة والفلاحة :
نفرض أن الطلب النهائي للمواد الفلاحية ارتفع ب25% للاستجابة لهذا سيضطر القطاع إلى رفع مواده الوسيطة بنسبة 25%. إذن القطاع الأول سيطلب من القطاع الثاني زيادة فيما كان يزوده. القطاع الثاني بدوره كي يستجيب لهده الزيادة عليه أن يزيد من استهلاك المواد الوسيطة والتي تتضمن موادا من القطاع الأول. وهذا سيشكل طلبا إضافيا آخر على القطاع الأول. إذن، الزيادة في الطلب على مواد قطاع، أو فرع، معين تتحول إلى ردود أفعال لا محدودة. لحسن الحظ أن هذه السلسلة من ردود أفعال  محدودة في النهاية.

المبحث الرابع: النماذج التكنولوجية
المطلب الأول:  نظرية اقتصاديات الحجم
وفورات الحجم أو اقتصادات الحجم أو اقتصاديات السعة (بالإنجليزية: Economies of scale) يمثل إنخفاض متوسط التكلفة الكلية في الأجل الطويل كلما ارتفع حجم إنتاج الشركة. وهو مصطلح مرتبط باقتصادات الإنتاج الواسع النطاق، حيث تؤدي الزيادات المطردة في الإنتاج إلى انخفاض متوسط (أو وحدة) التكاليف على المدى الطويل[1].
تعريف:
وفورات الحجم تمثل انخفاض تكلفة الوحدة المنتجة التي حصلت عليها الشركة من خلال زيادة كمية الإنتاج. وكخاصية من خصائص العملية الإنتاجية وتتمثل في أن ارتفاع عدد القطع المنتجة من سلعة ما ينتج عنه انخفاض في تكلفة إنتاج هذه القطعة.
مثال اقتصادات الحجم:
فمثلا تخيل خط إنتاج يصنّع سلعة ما، تبلغ تكلفة تشغيل آلات الإنتاج 100 وحدة نقدية في الأسبوع، في حين يبلغ سعر كل قطعة وحدة نقدية واحدة، فإذا انتجت الآلة 50 قطعة في الأسبوع فإن معدل تكلفة إنتاج كل قطعة = (100+50)/50 = 3 وحدات نقدية. ولكن لو أنتجت الآلة 100 قطعة في الأسبوع فإن معدل تكلفة إنتاج كل قطعة = (100+100)/100 = 2 وحدة نقدية. ففي هذا المثل كلما تم إنتاج قطع أكثر من السلعة كل أسبوع فإن التكلفة الكلية لإنتاج هذه القطعة تنخفض، وهذه العملية هي خاصية وفورات الحجم.
وتكمن فائدة وفورات الحجم أكثر بالنسبة للشركات الكبرى حيث أنها تمكنها من الوصول إلى أسواق أكبر عن طريق توفير سلعتها إلى عدد أكبر من الناس، ولكن ليس هذه هي الحال بالنسبة للشركة الصغرى إلى متوسطة الحجم، حيث أن الأمور في الواقع لا تجري دائما على هذا النحو، ففي عمليات الإنتاج الفعلية هناك قوى عكسية مؤثرة أخرى كعملية التناقص في الحجم (بالإنجليزية: Diseconomies of scale) وهي عملية تجبر هذه الشركات على إنتاج السلع بتكلفة متزايدة لسعر القطعة مع ازدياد حجم الإنتاج، وعند تعادل هذه القوى المتعاكسة يمكن التوصل إلى تكلفة سلعة مثالي.
يطبّق هذا المبدأ عادة على الشركات أو الهيئات العاملة ضمن قطاع واحد والمتقاربة نسبيا في الحجم.
أنواع وفورات الحجم:
وهنالك نوعان من وفورات الحجم:
  • وفورات الحجم الخارجية : حيث أن تكلفة الإنتاج الكلية للقطعة تعتمد على القطاع الصناعي ككل.
  • وفورات الحجم الداخلية: حيث أن تكلفة الإنتاج الكلية للقطعة تعتمد فقط على حجم الشركة المنتجة للقطعة.
المطلب الثاني: نظرية الفجوة التكنولوجية Technological Gap Theory
تركز هذه النظرية في تفسيرها لنمط التجارة الدولية على إمكانية حيازة إحدى الدول على طرائق فنية متقدمة للإنتاج تمكنها من إنتاج سلع جديدة، او سلع ذات جودة أفضل، أو سلع ذات تكاليف إنتاجية أقل مما يؤهل هذه الدول إلى اكتساب مزايا نسبية مستقلة عن غيرها. فالاختلافات الدولية في المستويات التكنولوجية تحقق اختلافاً مماثلاً في المزايا النسبية المكتسبة، وتؤدي بالتالي إلى قيام التجارة الدولية بين الدول عن طريق:
  • زيادة الكفاءة النسبية لإحدى الدول في إنتاج السلع المنتجة أيضاً في الدول الأخرى المشتركة في أنشطة التبادل الدولي، ويترتب على ذلك اكتساب هذه الدولة ميزة نسبية عن غيرها من الدول. وهذه الاختلافات الدولية في المزايا النسبية تمكن الدول ذات التفوق التكنولوجي من تصدير السلع التي تتمتع فيها بميزة نسبية إلى غيرها من الدول التي لم تشهد تغيراً في مستويات التكنولوجيا المستخدمة فيها.
  • دخول إحدى الدول بسلع جديدة ذات مستويات تكنولوجية متقدمة إلى الأسواق الدولية، في الوقت الذي لا تستطيع الدول الأخرى إنتاجها داخلياً أو تقليدها لأنها لا تمتلك الوسائل التكنولوجية اللازمة لإنتاج هذه السلع أو لا تستطيع الحصول عليها من الدول موطن الاختراع.
ومن النتائج المرتبطة بهذه النظرية ما يلي:
  • تعتبر الاختلافات بين مستويات الأجور الدولية محدداً هاماً لطول الفترة الزمنية التي تستغرقها الفجوة التكنولوجية، ولتحديد اتجاه التجارة الدولية الناشئة عنها. وبالتالي فإن التطورات التكنولوجية المتمثلة في الاختراعات والابتكارات قد تنتقل بسرعة من الدول موطن الاختراع أو الابتكار إلى دول أخرى في حالة وجود مستويات منخفضة للأجور بهذه الدول تسمج بإنتاج سلعة بتكاليف إنتاجية أقل من تكاليف إنتاجها في الدولة الأم.
قدرة نظرية تجارة الفجوة التكنولوجية على تفسير التجارة الدولية بين الدول في تلك المجموعات التي تنتمي إلى سلع محددة.







المطلب الثالث:  نظرية دورة حياة المنتج لفرنون
تمكن فرنون عام 1966 من أن يضع نموذجا بين فيه أن الميزة النسبية التي يحصل عليها بلد ما بسبب التقدم التقاني أو التكنولوجي ، يمكن أن يفقدها تدريجيا حينما ينتشر التقدم التكنولوجي ، و يخرج إلى العالم الخارجي و يمكن شرح النموذج بالشكل المقابل :



اللون الأخضر: الصادرات
اللون الأحمر: الواردات
س : الكمية المصدرة من السلعة
ج : الكمية المنتجة من السلعة
المرحلة الأولى: يقوم البلد (أ ) بالتجديد و الابتكار و ذلك بإنتاج سلعة معينة لأول مرة و يتم استهلاكها محليا لاختبارها.
المرحلة الثانية : تصل السلعة إلى مرحلة متقدمة جدا من حيث المواصفات الجودة و تكون الكميات المنتجة في هذه المرحلة أكبر من الكميات المستهلكة أو أكثر من احتياجات السوق المحلي  ، فتظهر صادرات البلد ( أ) بالجزء المضلل باللون الأخضر ، أما البلد (ب) فيستورد السلعة بمقدار المساحة المضللة بالأحمر في الجزء السفلي من الشكل فهو يستهلك و لا ينتج محليا .
المرحلة الثالثة: تزداد صادرات البلد ( أ) سواء للبلد (ب) أو لغيره حيث يصل البلد إلى طرق إنتاجية معيارية في إنتاج السلعة و تصبح في متناول البلدان الأقل تقدما من البلد الأول فيبدأ بذلك البلد (ب) بالإنتاج مع بداية المرحلة الثالثة لكنه يبقى يستورد السلعة.
المرحلة الرابعة: يبدأ إنتاج السلعة بالبلد ( أ) بالانخفاض و مع استمرار استهلاكه المحلي بالزيادة أما البلد (ب) فيزيد في إنتاجه و يصبح مصدرا للسلعة.
المرحلة الخامسة : يصبح البلد الذي قام بالتجديد أصلا في البداية مستوردا للسلعة حيث انخفض إنتاجه من هذه السلعة و أصبح أقل من استهلاكه المحلي أما البلد (ب) فيستمر إنتاجه للسلعة فوق استهلاكه المحلي مما يمثل الزيادة في صادراته .
و عندما يفهم الهدف من هذه  النظرية يفهم لماذا في بعض الأحيان تلجأ بعض الشركات للإعلانات المكثفة حول سلعة أو منتوج معين ثم يختفي هذا المنتوج و الإعلانات إطلاقا من السوق،  لماذا ببساطة لان السلعة لا تملك فيها الشركة ميزة مطلقة و أيضا لان هناك منتوجات دخلت الأسواق تنافسها في الجودة و السعر ، و هكذا فإن العملية التصديرية تنطلق من هذا المبدأ و كثافتها تعتمد على الميزة التي يتميز بها هذا البلد في إنتاج هذه السلعة .
حوصلة النظرية أن الدولة تبدأ منتجة في نهاية المطاف تصبح مستوردة، و هذه النظرية تصلح للبلد الذي يمتلك ميزة نسبية و غير صالحة في البلد الذي يمتلك ميزة مطلقة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق